فصل: التبرع بالحضانة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.7- الحرية:

إذ أن المملوك مشغول بحق سيده فلا يتفرغ لحضانة الطفل.
قال ابن القيم: وأما اشتراط الحرية فلا ينتهض عليه دليل يركن القلب إليه، وقد اشترط أصحاب الائمة الثلاث.
وقال مالك رحمه الله في حر له ولد من أمة: إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الاب أحق به وهذا هو الصحيح.

.أجرة الحضانة:

أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الأم مادامت زوجة، أو معتدة، لأن لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة، إذا كانت زوجة أو معتدة.
قال الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق الاجرة كما تستحق أجرة الرضاع، لقول الله سبحانه: {فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}.
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة، من وقت حضانتها، مثل الظئر التي تستأجر لرضاع الصغير.
وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الاب تجب عليه أجرة المسكن أو إعداده إذا لم يكن للام مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير.
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره، إذا احتاجت إلى خادم وكان الاب موسرا.
وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعالج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها، وهذه الاجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها وتكون دينا في ذمة الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.

.التبرع بالحضانة:

إذا كان في أقرباء الطفل من هو أهل للحضانة وتبرع بحضانته وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة.
فإن كان الاب موسرا فإنه يجبر على دفع أجرة للام، ولا يعطى الصغير للمتبرعة، بل يبقى عند أمه، لأن حضانة الأم أصلح له، والاب قادر على إعطاء الاجرة.
ويختلف الحكم في حالة ما إذا كان الاب معسرا فإنه يعطى للمتبرعة لعسره وعجزه عن أداء الاجرة مع وجود المتبرعة ممن هو أهل للحضانة من أقرباء الطفل.
هذا إذا كانت النفقة واجبة على الاب.
أما إذا كان للصغير مال ينفق منه عليه فإن الطفل يعطى للمتبرعة صيانة لماله من جهة، ولوجوده من يحضنه من أقاربه من جهة أخرى.
وإذا كان الاب معسرا والصغير لا مال له، وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة، ولا يوجد من محارمه متبرع بحضانته، فإن الأم تجبر على حضانته، وتكون الاجرة دينا على الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.

.انتهاء الحضانة:

تنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال، وقدر الواحد منهما على أن يقوم وحده بحاجاته الأولية بأن يأكل وحده، ويلبس وحده، وينظف نفسه وحده.
وليس لذلك مدة معينة تنتهي بانتهائها بل العبرة بالتمييز والاستغناء.
فإذا ميز الصبي واستغنى عن خدمة النساء وقام بحاجاته الأولية وحده فإن حضانتها تنتهي.
والمفتى به في المذهب الحنفي وغيره: أن مدة الحضانة تنتهي إذا أتم الغلام سبع سنين، وتنتهي كذلك إذا أتمت البنت تسع سنين.
وإنما رأوا الزيادة بالنسبة للبنت الصغيرة لتتمكن من اعتياد عادات النساء من حاضنتها.
وقد جاء تحديد سن الحضانة في القانون رقم 25 لسنة 1929 مادة 20 ما نصه: وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع.
وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تعين أن مصلحتها تقتضي ذلك فتقدير مصلحة الصغير أو الصغيرة موكول للقاضي.
وأوضحت المذكرة التفسيرية لهذا القانون هذه المادة بما نصه: جرى العمل إلى الان، على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ سن الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا.
وهي سن دلت التجاوب على أنها قد لا يستغني فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة، فيكونان في خطر من ضمهما إلى غير النساء، خصوصا إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما.
ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت، ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء، والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة.
وقد اختلف الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير.
فقدرها بعضهم بسبع سنين، وبعضهم قدرها بتسع، وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين، وبعضهم قدره بإحدى عشرة.
رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع، والصغيرة بعد تسع.
فإن رأى مصحلتهما في بقائهما تحت حضانة النساء فقضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة.
وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء المادة 20 في السودان: وقد قرر الاستاذ الدكتور محمد يوسف موسى أن العمل في المحاكم الشرعية بالسودان كان جاريا على أن الولد تنتهي حضانته ببلوغه سبع سنين، والأنثى ببلوغها تسع سنين، إلى أن صدر في السودان منشور شرعي رقم 34 في 12 \ 12 \ 1932 وجاء في المادة الأولى منه: وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى البلوغ، وللصغيرة بعد تسع سنين إلى الدخول.
إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
وللاب وسائر الأولياء تعهد المحضون عند الحاضنة وتأديبه وتعليمه.
ثم نص المنشور نفسه بعد ذلك في المادة الثانية منه على ما يأتي: لا أجرة للحضانة بعد سبع سنين للصغير، وبعد تسع للصغيرة.
وفي المادة الثالثة: لو زوج الاب المحضونة، قاصدا بتزويجها إسقاط الحضانة، فلا تسقط بالدخول حتى تطيق.
وإذا رجعنا إلى النشرة العامة رقم 18 \ 6 \ 1942 الصادرة في الخرطوم في تاريخ 5 \ 12 \ 1942 نجدها شرحت هذه المواد السابقة وخلاصتها ما يأتي:
1- أن المنشور الشرعي رقم 34 زاد سن حضانة الغلام إلى البلوغ، والبنت إلى الدخول، وهذا على غير ما عرف من مذهب أبي حنيفة، وهذه هي الحالة الخاصة التي خالف فيها المنشور مذهب أبي حنيفة.
عملا بمذهب مالك.
ويظهر أنها حالة استثنائية يلزم للسير فيها الاتي:
1- لا يمد القاضي مدة الحضانة إلا إذا طلبت الحاضنة من المحكمة الاذن لها ببقاء المحضون بيدها، لأن المصلحة تقتضي ذلك مع بيان المصلحة، أو تمانع في تسليم المحضون للعاصب لهذا السبب نفسه.
فإذا لم يوافق العاصب على بقاء المحضون بيده الحاضنة تكلف الحاضنة تقديم أدلتها، أو تتولى المحكمة تحقيق وجه المصلحة للغلام أو البنت، فإذا لم تقدم أدلة، أو قدمت ولم تكن كافية للاثبات ولم يتضح للمحكمة أن المصلحة تقتضي بقاء المحضون بيد الحاضنة، فإن المحكمة تحلف العاصب اليمين بطلب الحاضنة فإن حلف على أن مصلحة المحضون لا تقتضي بقاءه بيد الحاضنة حكمت بتسليمه إليه، وإن نكل رفضت دعواه.
2- أما إذا لم تعارض الحاضنة في ضم المحضون للعاصب أو لم تحضر أصلا فإنه يجب على المحكمة تطبيق أحكام مذهب الإمام أبي حنيفة، ويسلم المحضون الذي جاوز سن الحضانة للعاصب متى كان أهلا لذلك، ولا يطالب بإثبات أن مصلحة المحضون تقتضي بذلك.
3- إذا كانت الحاضنة غائبة عند طلب تسليم الصغيرة فلها أن تعارض في الحكم وتطلب بقاءه في يدها، وتتخذ المحكمة نفس الاجراءات التي اتبعت مع الحاضنة الحاضرة.
4- إذا أفتت المحكمة ببقاء المحضون بين النساء لمصلحة تقتضي ذلك، ثم تغير وجه المصلحة، وعرض عليها النزاع مرة أخرى أجاز لها، بعد أن تتحق من أنه لم يبق للمحضون مصلحة تقتضي بقاءه بيد الحاضن إن تقرر نزعه وتسليمه للعاصب.
تخيير الصغير والصغيرة بعد انتهاء الحضانة: وإذا بلغ الصغير سبع سنين، أو سن التمييز وانتهت حضانته، فإن اتفق الاب والحاضنة على إقامته عند واحد منهما أمضي هذا الاتفاق.
وإن اختلفا أو تنازعا، خير الصغير بينهما، فمن اختاره منهما فهو أولى به، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله: أن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه.
فانطلقت به رواه أبو داود.
وقضى بذلك عمر وعلي وشريح، وهو مذهب الشافعي والحنابلة، فإن اختارهما، أو لم يختر واحدا منهما، قدم أحدهما بالقرعة.
وقال أبو حنيفة: الاب أحق به...ولا يصح التخيير، لأنه لا قول له ولا يعرف حظه.
وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته، فيؤدي إلى فساده ولأنه دون البلوغ.
فلم يخير كمن دون السابعة.
وقال مالك: الأم أحق به حتى يثغر.
وهذا بالنسبة للصغير، أما الصغيرة فأنها تخير مثل الصغير عند الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الأم أحق بها حتى تزوج أو تبلغ.
وقال مالك: الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج.
وعند الحنابلة: الأب أحق بها من غير تخيير إذا بلغت تسعا، والأم أحق بها إلى تسع سنين.
والشرع ليس فيه نص عام في تقديم أحد الابوين مطقا، ولا تخيير الولد بين الابوين مطلقا..والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا.
بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البار العادل المحسن.
والمعتبر في ذلك القدرة على الحفظ والصيانة.
فإن كان الاب مهملا لذلك، أو عاجزا عنه، أو غير مرض والأم بخلافه فهي أحق بالحضانة، كما أفاده ابن القيم.
قال: فمن قدمناه بتخيير، أو قرعة، أو بنفسه، فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد.
ولو كانت الأم أصون من الاب وأغير منه قدمت عليه ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار للصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له وأخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».
والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}.
وقال الحسن: علموهم وأدبوهم، وفقهوهم فإذا كانت الأم تتركه في المكتب وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك فإنها أحق به بلا تخيير ولا قرعة وكذلك العكس.
ومتى أخل أحد الابوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله، والآخر مراع له، فهو أحق وأولى به.
قال: وسمعت شيخنا رحمه الله يقول:
تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: اسأله لاي شيء يختار أباه، فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم قال: أنت أحق به.
قال: قال شيخنا: وإذا ترك أحد الابوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله تعالى عليه، فهو عاص ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له.
بل إما أن يرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب.
إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان. انتهى.

.الطفل بين أبيه وأمه:

قال الشافعية: فإن كان ابنا فاختار الأم كان عندها بالليل ويأخذه الاب بالنهار في مكتب أو صنعة، لأن القصد حظ الولد، وحظ الولد فيما ذكرناه، وإن اختار الاب كان عنده بالليل والنهار، ولا يمنعه من زيارة أمه، لأن المنع من ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرحم، فإن مرض كانت الأم أحق بتمريضه، لأنه بالمرض صار كالصغير في الحاجة إلى من يقوم بأمره، فكانت الأم أحق به، وإن كانت جارية فاختارت أحدهما كانت عنده بالليل والنهار، ولا يمنع الآخر من زيارتها من غير إطالة وتبسط، لأن الفرقة بين الزوجين تمنع من تبسط أحدهما في دار الاخر، وإن مرضت كانت الأم أحق بتمريضها في بيتها، وإن مرض أحد الابوين والولد عند الآخر لم يمنع من عيادته، وحضوره عند موته لما ذكرناه، وإن اختار أحدهما فسلم إليه ثم اختار الآخر حول إليه، وإن عاد فاختار الأول أعيد إليه لأن الاختيار إلى شهوته، وقد يشتهي المقام عند أحدهما في وقت، وعند الآخر في وقت، فاتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه من مأكول ومشروب.

.الانتقال بالطفل:

قال ابن القيم: فإن كان سفر أحدهما لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فهو أحق، لأن السفر بالولد الطفل - ولا سيما إذا كان رضيعا إضرار به وتضييع له، هكذا أطلقوه ولم يستثنوا سفر الحج من غيره.
وإن كان أحدهما منتقلا عن بلد لاخر للاقامة والبلد وطريقه مخوفان أو أحدهما، فالمقيم أحق.
وإن كان هو وطريقه آمنين، ففيه قولان: وهما روايتان عن أحمد رحمه الله:
إحداهما أن الحضانة للاب ليتمكن من تربية الولد وتأديبه وتعليمه، وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله، وقضى به شريح.
والثانية أن الأم أحق.
وفيها قول ثالث: إن كان المنتقل هو الاب فالأم أحق به وإن كان الأم فإن انتقلت إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق به.
وان انتقلت إلى غيره فالاب أحق وهذا قول أبي حنيفة.
وحكوا عن أبي حنيفة رحمه الله، رواية أخرى: أن نقلها إن كان من بلد إلى قرية فالاب أحق، وإن كان من بلد إلى بلد فهي أحق، وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه.
فالصواب النظر والاحتياط للطفل في الاصلح له، والانفع الإقامة أو النقلة فأيهما كان أنفع له وأصون وأحفظ روعي ولا تأثير لاقامة ولا نقلة.
هذا كله ما لم يرد أحدهما بالنقلة مضارة الاخر، وانتزاع الولد منه، فإن أراد ذلك لم يجب إليه والله الموفق.